تأملات في تأريخ النظم القانونية والاجتماعية الخارجة عن دائرة الدولة

المؤلفون

  • محمد عامر حسن المؤلف

الملخص

تفترض دراسة نشأة الدولة ملاحقة تأريخية العلاقة بين النظم القانونية والنظم الاجتماعية ، غير أن التأكيد على هذه العلاقة لم يكن واضحاً في جميع الأوقات، وربما يمكن القول بأن التاكيد على هذه العلاقة أمر مستحدث افترضه الاستقلال النسبي للقانون، مثلما افترضه وجوده الذاتي. أي إن هذه العلاقة بين القواعد القانونية والنظم الاجتماعية قامت بعد أن استطاع القانون أن يتخلص من كل ماهو غريب عليه، مثل الدين والأخلاق، ليرتبط بوجوده بالنظم الاجتماعية، ويبدو أن القانون وهو يمثل قواعد سلوك يلتزم بها الأفراد لم يكن يتمتع في جميع المراحل التاريخية بمثل هذا الوجود الذاتي، إذ بقي لفترة طويلة مندمجاً بالدين، لتبدو القواعد القانونية باعتبارها قواعد دينية في الجوهر. وفي ظل مثل هذا التصور فإن القواعد القانونية تُعبر عن الإرادة الإلهية، فكما أن الله يخلق الإنسان فإنه يقوم بالوقت نفسه بخلق القواعد التي تحدد سلوكه، وبهذا المعنى يمكن القول بأن الخليقه بمجملها هي معطى من معطيات الله، والقانون هو جزء من هذه الخليقه، وبالتالي فإنه هو الآخر معطى من معطيات الله، وفي مثل هذه الحالة فإن القانون لا يملك قدرة أو قوة بذاته، إنما مثل هذه القدرة وهذه القوة هي تعبير عن قدرة الله وقوته، فالله يخلق الإنسان ليُعبر بسلوكه عن إرادة الله، ويُعبر في الوقت نفسه عن قدرته وقوته، وبهذا الشكل يتطابق القانون والدين .

إن القانون يعبر عن العدالة، والعدالة تعني التوازن الذي يفرضه الدين بين الناس ولكن العدالة هذه لا تُعَبر بالأحرى عن علاقة الإنسان بالله، وبهذا المعنى يمكن الكلام عن نمطين من العلاقة ، علاقة بين الناس وعلاقة بين الله والناس، والعلاقة الأولى تخضع للعلاقة الثانية وكل شيء في العلاقة الإنسانية محكوم بالإرادة الإلهية، الذي يترتب على هذا هو أن الناس ليس بمقدورهم أن يعدلوا أو يلغوا القواعد الإلهية المقررة التي تنظم سلوكهم، ذلك لإدراكهم أن هذه القواعد هي ليست من صنعهم، وإنما هي من صنع الإرادة الإلهية، وعليه فإن القاضي لا يجد سبيلا له إلا التعرف على الإرادة الإلهية، وكان ذلك يتم بطرق مختلفة ومنها الحلم مثلاً. وسوف لن يتغير الحال كثيراً مع ظهور الديانات السماوية، فأصبح الأنبياء هم الذين يتولون عن طريق الوحي استطلاع إرادة الإله، وهكذا نرى أن القانون في ظل مثل هذا التصور سوف يبدو باعتباره معطى أو هبة إلهية، لايرتبط بأي إرادة أخرى غير إرادة الله لكي يُعبر عن النظم الاجتماعية. إلا أن إدراك القواعد القانونية ضمن هذا البعد الديني إذا كان قد استمر لفترة طويلة جداً فإنه لم يكن يمثل التصور الأول والأخير، فقد وُجد تصور آخر ينتهي إلى إدراك القاعدة القانونية ضمن بُعد أخلاقي، هو العدالة القائمة في الطبيعة، فإذا كان التصور الأول يقيم دمجاً بين القانون والدين، فإن الثاني يُقيم دمجاً بين القانون والعدالة القائمة في الطبيعة بقدر ما تعبر القاعدة القانونية عن معنى العدالة الكامنة في الطبيعة. وهذا التصور كان قد وجد في العهد الإغريقي واستمر قائماً في العصور الوسطى، لينتعش في عصر النهضة مع ظهور دولة المؤسسات وظهور النزعة العقلانية

التنزيلات

منشور

2023-03-07

إصدار

القسم

Articles