الديمقراطية وتغّول السلطة (التفريغ الإيديولوجي للتحرر من الاستبداد)
الملخص
في قراءة متقدمة لمآل التجربة الديمقراطية في العالم العربي عامة والعراق خاصة ، تصادفنا محطات انتباه كثيرة، تستدر منها غالبية الباحثين وكذلك الساسة موجبات التقييم لما جرى ويجري من انتقالات وإسقاطات وارتدادات تعيد مسارات العمل.. بل الخيال إلى سابق انطلاقها لنكون أمام حالة/ظرف لامتناهٍ رغم ما يحفل به الواقع من ضغوطات وتحديات تسوغ سمو التوجه نحو الديمقراطية، على الأقل نأيًا عن مخاطر الاستبداد، وهو ما جعل الجموع وفعالياتها السياسية تحقق في حيوية/ إلحاحية الحاجة إلى نظام فكر (إيديولوجيا) تركيبي يعطي قيمة للتحول الديمقراطي ويعزز النظر إليه كتدبير تأريخي لا سياسي، ومشروع حضاري لا تأملي فاقد الروح فحسب. الأمر الذي سوغ ولم يزل البحث في صياغة تفاهمات حقيقية لتأطير موجات التحرر من الاستبداد (الاحتجاجات والثورات)، تعميقًا لقيمته السياسية وتحصينًا لدوافعه وآلياته من التهوين والإخواء وبما يجعله رهانًا مرجعيًّا ومعياريًا لتقويم عملية التحول الديمقراطي لا سيَّما بعد تعرض الأخيرة إلى تحديات كثيرة نتيجة لتصاعد تأثير التكنولوجيا وإنجازاتها لا سيَّما الاتصالية منها.
وهكذا بدا العرب بعد الربيع العربي وقبلهم العراقيون بعد عام (2003)،حيارى في تصريف مطالبهم وأمانيهم في مقاومة الاستبداد والتحرر منه كمتطلب أولي للتحول الديمقراطي نظرًا لافتقاد الإرادة العامة لشروط التنظيم والتقييم معًا، حتى بتنا لم نفهم من الديمقراطية سوى المشاركة في الانتخابات من عدمها، والتسويات لاقتسام السلطة دون مقاربات توطين لاشتراطاتها لا سيَّما بعد أن وجد دعاة الديمقراطية، الساسة وقادة الفعاليات السياسية أنفسهم وكأنهم طغاة نخبوية لم يكتفوا بالمنافسة على السلطة بل التشبث بها دون حساب لأية اشتراطات أو التزامات أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية، الأمر الذي يؤسس عودة جديدة للثورة والاحتجاجات بذات الحجة حيث التحرر، ولكن هذه المرة من تغول السلطة. وهذا ما سنتحقق منه في ثنايا هذه الدراسة.