تيار الحكمة الوطني والمعايير الدولية للحكم الصالح
الملخص
كيما يصبح الحكم الصالح جزءًا من الوعي العالمي لا بُـدَّ من وضع معايير دولية ، وإن المعايير الدولية لا تولد فجأة، ولا تُفرض بالقوة، ولا تُصنع بعفوية وارتجال، بل تتشكل عبر مسار طويل يبدأ بتأملات عقول ثم دعوات أفراد ومطالبات حشود وتأسيس أُطر تنظيمية وطنية وإقليميّة ودولية لتستقر تلك المعايير في مواثيق وعهود دولية، كما حصل مع المعايير الدولية المتصلة بالأمن والسلم الدوليين وبحقوق الإنسان وبالتنمية المستدامة والقانون الدولي الإنساني ومكافحة الإرهاب والعنف وإعمام ثقافة التسامح والمصالحة والعدالة الانتقالية والتعايش ما بين الأديان ....اإخ من المعايير التي استقرت لتصبح جزءًا من التشريعات الوطنية بما في ذلك الدساتير.
وبقدر تعلق الأمر بالحكم الصالح والمعايير الدولية هناك إشكاليّة تتصل بفك الاشتباك مابين الوطني (حكم صالح) والعابر للوطني (المعايير الدولية) والتي انبثقت عنها اشتباكات وجدليات حول الخصوصية والعالمية والقوانين الوطنية والقانون الدولي. بكل الأحوال فإن البوصلة في عالمنا المعاش تتجه نحو تداخل واستحضار ، إن لم نقل تغليب ، الدولي على الوطني بعد أن أصبح عالمنا المعاصر عالم الاعتمادية المتبادلة والتواصل بفعل سرعة تعولم كل من قيم وممارسات الخير والشر معًا . ومن هنا فإن الضرورة الملجئة لتبني المعايير الدولية بما في ذلك مجال الحكم الصالح تتأتى من التعامل مع مغزى الحكم الصالح الأخلاقي الفلسفي ثم القانوني الدولي. فهذه المعايير لا تخرج ولا تتعارض مع العقائد والأخلاق والقواعد القانونية لحقوق الإنسان وللشعوب ، الأمر الذي يعزز عدم التردد في اللجوء إليها وتبنيها بقناعة من قبل الشعوب وباضطرار من قبل الحكام.